حكايتى مع الراديو الانتيكة
بقلم: ياسمين الطوخي
(حكاية)
* كُتبت بمناسبة اليوم العالمى للإذاعة
لم أرَ فى حياتى الراديو الكهربى ذو الصندوق الخشبى الكبير الذى كان (يخبطه) عماد حمدى فى فيلم أم العروسة كلما توقف مُذيعه عن الحديث فتُرد فيه الروح . لكننى أذكر الراديو الترانزستور الذى رأيته صغيرة تستمع أمى من خلاله إلى إذاعتى القرآن الكريم وأم كلثوم .
وظل استخدام هذا الجهاز حتى وبعد أن فتحها اللهُ علينا لنقتنى جهاز الكاسيت الذى بدورِه احتوى الإذاعة . وتطورت الأيام سريعًا فأصبح الراديو مُتاحًا على التلفاز كالمحطات الفضائية ثم مالبث أن انتهى الأمر بالاستماع للإذاعة عبر أجهزة المحمول . وبالطبع اشتمل (الموبايل) على كل الأجهزة التى لم نعد نستعملها من راديو وآلة حاسبة ومنبه وساعة وكاميرا وغيرها ...
لم يحتل الراديو مساحة كبيرة فى طفولتنا ، فجيل التسعينات وُلد فى زمن التكنولوجيا وبالتالى لم يكُن زمننا هو زمن الراديو إلا أن الإذاعة طلت فى شكلٍ جديد سواء راديو الانترنت أو قنوات الإذاعات على اليوتيوب .
فهذا التطور الذى شهدته الإذاعة هو تطور طبيعى تبعًا للتطور الحضارى الذى نشهده بين حكايات أمى وأبى التى أسمعها من ناحية وبين صورة الإذاعة فى أفلامنا الأبيض والأسود من ناحية آخرى ، وبين حاضر الإذاعة الذى أتعاطى معه وأعيشه الآن . وهنا تكمن متعة الحكاية .
فإذا شاهدت فيلم (حياة أو موت) ستعرف أن الإذاعة كانت فى وقتِها – الأربعينات والخمسينات - ذات بريق أقوى من بريق الانترنت حتى فى عصرنا . فلم يكن من وسيلة لإنقاذ حياة أحمد إبراهيم القاطن بدير النحاس من الدواء المسمم الذى أرسل ابنته فى طلبِه سوى إذاعة بيان تحذيرى من حكمدار العاصمة فى الإذاعة !
أما إذا شاهدت فيلم (الأستاذة فاطمة) فستلحظ أن البطلين – كمال الشناوى وفاتن حمامة – عرفا أسماء الناجحين فى امتحان ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة أيضا عبر الإذاعة !
فالإذاعة عند جيل آبائنا تُعد ركيزة أساسية ينطبق عليها شعار الأمم المتحدة لليوم العالمى للإذاعة هذا العام (أنتم الإذاعة) فهى إحدى المكونات الرئيسية لوعيهم بجانب الكتب . مثلما أصبح الانترنت هو المعادل لها هذه الأيام . فلو أن عميد الأدب العربى طه حسين شهدَ هذا الاختراع – الانترنت – عندما قال فى برنامج نجمك المفضل وسطَ المثقفين أن : "عصر السينما والتليفزيون والراديو والتمثيل يمنع الناس من القراءة فتأخذ عليهم أوقاتهم فلا يقرأون ، فهذه أشياء سهلة لا تكلف مشقة تستغرق أوقات الناس" ! لشعر بظلم هذه الأجهزة . فهذه الإذاعة بالنسبة لجيل آبائنا ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالصوت ، فكلٌ له صوت يميزه يُضفى الدفء على وجدان مستمعيه . حيث صوت زوزو نبيل فى حلقاتِها الإذاعية ذائعة الصيت "ألف ليلة وليلة" ، وكذلك صوت أم كلثوم الذى ارتبط بالخميس الأول من كل شهر محفورًا فى تاريخهم الخاص والعام . بالإضافة إلى أصوات أبلة فضيلة وبابا شارو وإيناس جوهر وفهمى عمر وفاروق شوشة وحسين فوزى وغيرهم .
والفارق بين إذاعة آبائنا وإذاعتنا كما تقول أمى هو التواصل ، فنساء البيت الواحد – المكون من عدة شقق - فى حى الظاهر كانت تتجمع سويًا مثلا لمتابعة حكايات خالتى بمبة وعيلة مرزوق افندى فى برنامج إلى ربات البيوت . أما إذاعتنا فهى كنهجنا فى مناحى حياتنا "معزولة" . رُغم توفر ما يُسمى بمواقع التواصل الاجتماعى الآن !
فلا شك أن محاضرة التاسعة صباحًا - حتى عام مضى - كان الولوجُ إليها صعبًا بدون برنامج (عيش صباحك) والساعة الأولى منه لمروان ويارا لتستقبل يومك ضاحكًا .
ولعل إذاعتى البرنامج الموسيقى والبرنامج الثانى (البرنامج الثقافى) هما كنزى الثقافى الذى اكتشفته مؤخرًا ، خاصة عندما أتاحت التكنولوجيا إمكانية الاستفادة من حديثه وقديمه عبر إتاحة المسرحيات والبرامج الخاصة على الانترنت . وفى رأيى ، فإن قناتىّ الإذاعة المصرية والبرنامج الثقافى على اليوتيوب هما أفضل ماتم فعله فى حق الإذاعة والثقافة على حدٍ سواء .
ورغم أن الراديو لم يزد الآن على انتيك فى شارع المعز وسط إخوانه من الجرامافون ووابور الجاز والطشت النحاس وغيرهم ، إلا أن القديم مازال قادرًا على البوح وفى جعبته الكثير من الحكايات !
تعليقات
إرسال تعليق