دموع رجل تافه لعبد الرحمن فهمى
دموع رجل تافه لعبد الرحمن فهمى
كتابة: ياسمين الطوخي
"كان بيتها قبل أن يكون بيته. كان الدنيا كلها بالنسبة إليها، أما بالنسبة له فقد كانت هى كل الدنيا، والبيت ليس إلا الجدران التى تحفظها له حتى يعود من شغله. ومن اليوم سيعود ولن يجد إلا الجدران.. ومع هذا لا تريد دمعة واحدة أن تفر من عينه."
هذا ما حدث به نفسه بطل القصة الأولى (دموع رجل تافه) وهى القصة الأولى من اثنتين داخل المجموعة القصصية المسماه بالاسم نفسه للكاتب الاكتشاف عبد الرحمن فهمى.
البطل التافه - كما يراه الجميع عدا زوجته وأهلها وجيرانه- التى ماتت زوجته أثناء زيارتها لقريبها فطلبوه كى يتسلم جثمانها ففوجئ جميع زملائه بصلة القرابة الفاخرة فاحترموه بصورة مفاجئة تغيرت على إثرها معاملتهم معه. ثم ما لبث أن تغير الموقف، فبعد نقل الجثمان إلى منزلها بمعرفة زوجها، تم إعادة نقله إلى بيت ابن خالتها دون علم زوجها. الذى سرعان ما سأل نفسه، هل انا تافه إلى هذه الدرجة؟
فالسياسة لم تتح له فرصة القبول أو الرفض، لم تتح له فرصة دفن زوجته، لم تتح له أن يكون المعزى الأول وليس ابن خالتها.
أن يكون هو قبلة الناس فى التعزية، الأولى بالاهتمام والرعاية وليس الأتفه على الإطلاق، الذى لم يحترمه ضباط الحراسة بثيابه المهلهلة إلا لكونه نسيب البيك. بل وتوسلوا إليه ألا يخبر البيك بما صدر منهم فى بادئ الأمر. وهى المرة الثانية التى يتوسل إليه أحد بعد المرة الأولى صباحا من مديره فى العمل بأن يقبل السلفة التى صرفت له!
يوم فى حياة رجل تافه انتهى بدموعه التى لم يتمكن من حبسها لا نعرف هى دموع رثاء وهيبة زوجته أم دموع رثائه لنفسيه التافهة وغير التافهة!
"ثلاث ساعات كاملة تفصل بين جملته وبين جملتها، ومع هذا كانتا متصلين. فهل ثلاث ساعات ليست من الزمان؟ أو أن الزمان بلا أحداث ليس بزمان؟"
الزمان الذى مر على بطل القصة الثانية (الحادث) كان أطول من عمره كله. حيث كان ينتظر دوره فى الموت مع بقية زملائه فى الحادث فى العنابر المجاورة. هذا الزمان الذى خلق فيه علاقة صداقة غير طبيعية بأحد أبرز أبطال الزمن المعروفين وهو ملك الموت.
فى البداية، ربما تشعر أنه هذه القصة أشبه برواية نائب عزائيل ليوسف السباعى. وهو شعور راودنى وربما حدثنى بأن أتوقف عن قراءتها وأمضى لكتاب أخر. لكن عبد الرحمن بدوى كان قد نسج صداقة غير طبيعية بينى أنا كقارئ وبين القصة خلال زمن قراءتى الصفح الأولى!
هذه الصداقة خلقت مشاعر قوية بين البطل وصاحبه جعلته لا يطبق عليه عمله بل هو الوحيد الذى جاءه زائرًا ليطمئن عليه أثناء تلقيه العلاج بل وقبل دخوله غرفة العمليات فيقول:
"شعرت بعاطفة تدفعنى إلى الإمساك بأصابع والضغط عليها، ففعلت. وعندما أغلقوا خلفى باب حجرة العمليات رأيته واقفًا خارجها يطل على من الطاقة الزجاجية الشفافة، فابتسم له، وابتسم لى. ثم استسلمت إلى غيبوبتى الطبية."
تعليقات
إرسال تعليق