الطنطورية .. إنقاذ الذاكرة وتخليدها حاضرة

 كتبت: رنا تامر

"هل يمكن حكاية ما جرى فى هذه الصفحات المعدودة؟ كيف يتحمل كتاب صغير أو كبير آلاف الجثث. قدر الدم. كم الأنقاض. الفزع. ركضنا طلبًا للحياة ونحن نتمنى الموت."

هناك بعض الروايات التى تتوق شوقًا للوصول لنهايتها، ولكنك في الوقت نفسه تتمنى لو تمتد الأحداث فلا ينتهي الكتاب أبدًا.
كما تعودنا من رضوى عشور الروائية الكبيرة أن تُضيف للأدب العربي روايات مميزة ذات قيمة وهدف مثل "ثلاثية غرناطة" و"قطعة من أوروبا". نُشرت رواية الطنطورية في دار الشروق للنشر، وكانت طبعتها الأولى عام ٢٠١٠ والثامنة عام ٢٠١٦.

تبدأ الكاتبة الرواية بإهداء إلى زوجها "مريد البرغوثي" الأديب الفلسطيني الكبير. وتصاحب الرواية خرائط لفلسطين وشجرة العائلة التى تسكن فصول هذه الرواية.


قد يستغرب البعض عنوان الرواية، هذا العنوان يشير إلى الشخصية الرئيسة في الرواية "القرية الفلسطينية" التى تقع على ساحل بحر يافا (البحر المتوسط). يرجع أصل كل أبطال الرواية إلى هذه القرية التى وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي فى مطلع صيف ١٩٤٨. قاوم أهل القرية مقاومة شديدة ولكن لعدم تكافؤ القوة والسلاح سقطت الطنطورية وقامت القوات الإسرائيلية بارتكاب واحده من أبشع المجازر، قد تكون فى حجم مذبحة دير ياسين. أكثر من ٩٠ شهيد دفنوا فى مقبرة جماعية حولتها إسرائيل الآن إلى ساحة انتظار خاصة بشاطئ "دور" فى محاولة لطمس الماضي.

مأخوذة بواسطة رنا تامر


من هنا تحطمت أحلام وطموحات بطلة الرواية "رُقية الطنطورية"، من هنا بدأ الاشتياق للطنطورية. رُقية بنت الثالثة عشر عامًا التى فقدت أباها وأخاها فى المذبحة وسافرت مع أمها إلى صيدا بعد رحلة طويلة وشاقة.
تزوجت رُقية ورُزقت بثلاثة أولاد (صادق وحسن وعبد الرحمن) ولكنها لم تنعم بحياة هادئة، فقد قامت الحرب الأهلية في لبنان واجتاحتها إسرائيل في ١٩٨٢. وكأن المذابح تلاحق رُقية، وقعت مذبحة صبرا وشتيلا واستشهد زوجها الطبيب داخل مستشفى عكا، ولكنه قبل موته بأيام جاء بطفلة يتيمة تُدعى مريم، والتى كانت طوق النجاة لرُقية.


تأخذنا الأحداث بين صيدا ومصر وأبوظبي وكندا، نعيش مع رقية الأفراح والأحزان وحلمها بالعودة إلى فلسطين. تنتهى الرواية بمشهد مليء بالمشاعر حيث تحمل رُقية حفيدتها التى ولدت فى اللد فى فلسطين وتُسلمها مفتاح الدار المعلق فى رقبة رُقية منذ خروجها من فلسطين.


"مفتاح دارنا يا حسن. هديتى إلى رقية الصغيرة."

نجحت رضوى عشور فى أن تُشعر القارئ بمعنى النكبة وخسارة الوطن. فكان اللاجئون فى لبنان يطلبون تصريح لزيارة بعضهم البعض ولإقامة أفراحهم وحتى لبناء سقف يحمى روؤس أبنائهم فى الشتاء.
نجحت أيضًا فى جعل القارئ جزء من الرواية، يفكر فى الأحداث ويضع نفسه مكان الأبطال. وجعلت القارئ يرى جمال القرية الفلسطينة كأنه هناك يقف على الشاطئ، كأنه هناك يقطف ثمار التين واللوز.


"وحدها شجرة اللوز تتسيد ربيع البلد، ملكة بلا منازع. حتى بحر البلد يغار من شجرة اللوز فى الربيع."


استخدمت رضوى عاشور كلمات فلسطينية لن يفهمها إلا الفلسطينيون ولذلك وضعت فى أخر الرواية معجم صغير يفسر الكلمات مثل ختيار وختيارة أى كبار السن، طوشة أى شجار وغيرها من الكلمات التى أضافت سحرًا للرواية.
تبدو الرواية وكأنها رواية جغرافية لفلسطين التى اجتهد الاحتلال فى محو معالمها لكى يفرض خريطة جديدة على أنقاضها. وستكشف لك التاريخ والوقائع والمآسى التى دُفنت وتناسيناها.

تعليقات

المشاركات الشائعة