"النسيان" لاكتور اباد - الكتاب السابع من مبادرة "كتاب من كل دولة" كولومبيا
كتابة: ياسمين الطوخي
لماذا النسيان؟
"الأمس مضى، وغدا لم يأت، واليوم راحل دون أن يمكث خطوة. انا ماض، أنا آت،أنا حاضر تعب. هكذا كان يقول كيبيدو فى إشارة إلى وجودنا الخاطف، السائر دائما من غير بد نحو تلك اللحظة حين لا يعود لنا وجود. سنحيا لبضع سنوات هشة بعد الموت فى ذاكرة الآخرين، ولكن تلك الذاكرة الشخصية تدنو من الزوال أبدًا مع كل لحظة تنقضى."
هكذا استهل أكتور آباد الفصل الأخير لروايته النسيان وهو بعنوان النسيان كذلك، حيث يتضح منه سبب كتابته لهذه الرواية الأشبه بالسيرة (عن والده الذي اغتيل) وهو سبب كافٍ لقراءتك لها يظهر من العنوان ألا وهو خشية النسيان. آفة حارتنا العالمية!
وهو ما أفصح عنه فى لقائه قبل سنوات فى التلفزيون المصرى حيث تحدث عن دافع الكتابة حين وجد هؤلاء الذين يقتلون الناس يكتبون أسباب اقترافهم ذلك وهى أسباب بشعة على حد قوله، فكتب بعد ٢٠ سنة عن والده حتى يوضح بشاعة ما حدث خشية غياب الحقيقة.وكما نعرف جميعنا فالذاكرة قابلة دائما للنسيان، والكتابة هى الوسيلة البدائية الناجعة لحفظها. فمن يكتب لا يموت كما قال هيبتا بطل عزازيل.
وموضوع الرواية حول عائلة كولومبية تتعرض لفاجعة وهى اغتيال ربها الطبيب آباد فاسيولينى محط حكاية الرواية والبطل الأوحد فى عينى ابنه الكاتب إكتور. يحكى الكاتب الحكاية لسببٍ عرفناه سالفًا، ولسببٍ آخر يصطحبك بين دفتى الرواية ألا وهو العلاقة القوية بين الابن وأبيه والتى يصفها الكاتب فى الفصل الأول قائلاً:"أحب أبى حبًا حيوانيًا" ثم يؤكد عليك الأمر ذاته فى موضع آخر فقول: "لولا ذلك الحب المبالغ فيه الذى خصنى به أبى، لكنت أقل سعادة بكثير"
بالطبع بعد قراءتك لأوصاف الابن لأبيه على هذا النحو، سوف تتعاطف مع هذا الرجل الذى تم اغتياله قبل أن تتعرف على قضيته التى مات من أجلها أو تؤمن بعدالتها أو تهتم بها. لأنك ستسأل نفسك، هل يؤمن الرجل بقضية غير ذات معنى وهو بهذا الكمال الأبوى فى عينى ولده؟ بل وسوف تشعر أنك قد ساهمت فى نجاح هدف الكاتب بقراءتك للكتاب تخليدًا لذكرى الأب، ونشرًا لفكرة كاتبها وأنت فى بلدك، فى منزلك لم تبرحه.
والرواية تقع فى ٤٢ فصلا ترجمها إلى العربية المترجم أ.مارك جمال ترجمة مثيرة للعقل ومريحة للوجدان ومتينة البنيان. حيث تجعلك تلتهم تجربة إنسانية حية مليئة بالدروس والحكم التى تمر بك أحيانا، تؤيدها أو ترفضها، بل وقد تؤمن بها مثلى فتنشر من بينها بعض المقتطفات هنا تحت عنوان (حكم حياتية سبقك إليها أحدهم):
"ولم لا؟ "فالموت ليس خطيرا فى عينى من يحمل بداخله حزنا بلا حدود."
"العزاء الوحيد الذى يشعر به المرء فى غمرة حزنه، هو الغوص فى الحزن أعمق فاعمق حتى لا يعود قادرا على التحمل"
"ثمة أوقات فى الحياة يتركز فيها الحزن"
"فكلما زادت سعادتنا قل إدراكنا لها"
"لأن أسوأ ما فى الحياة إلا يكون المرء نفسه"
"ليس الأمر أن يكون المرء صالحا بل يتعلم ألا يكون شريرا"
أما عن هذه الجملة الأخيرة هى إحدى نصائح الأب لابنه هيكتور آباد والذى استعرضنا سلفا كيف عبر الابن عن حبه له، أما الأب فيقول ردا على الجد الذى يدعوه إلى القسوة عليه لا الحب:
"أجل تعوزه يد قاسية والحياة كفيلة بذلك فهى تقسو علينا جميعا الحياة أكثر من كفيلة بأن تذيقنا الشقاء ولا افكر فى إعانتها على ذلك."
فإذا أردت كتابا فى التربية، فعليك بكتاب النسيان. أما إذا أردت كتاب فى الحب عليك بكتاب النسيان. أما السيرة لذاتية وأما الرواية وأما الحياة وأما الألم وأما الحزن وأما السعادة فعليك بكتاب النسيان.
"تجدر الإشارة إلى أن المآسى اللاحقة لا يمكنها أن تلطخ الذكرى السعيدة، ولا أن تصبغها بالتعاسة، كما يحدث أحيانا لبعض الأشخاص الذين يصابون بمرض القمة على الدنيا، ويمحون من ماضيهم حتى الأوقات التى لا يساورهم شك فى كونها أوقات البهجة وريعان الشباب، بسبب حوادث لاحقة شديدة الحزن أو تنطوى على ظلم."
- عن الكاتب أكتوبر آباد فاسيولينى: كاتب من كولومبيا ولد عام ١٩٥٨. درس الطب والفلسفة والصحافة ولم يتمم دراسته فى اى تخصص منهم. تعرض والده لاغتيال على يد الجماعات شبه العسكرية، وتلقى الكاتب تهديدات بالقتل. نشرت له عدة أعمال روائية منها علاقات السيد الماجن، قمامة، أنجوستا. كما صدر له كتاب رحلات بعنوان القاهرة حيث يبدأ الشرق.
- عن المترجم مارك جمال: مترجم مصرى له عدة ترجمات عن اللغة الإسبانية والبرتغالية ابرزها: موكب الظلال لريوس، وكهف الأفكار لسموثا، والنسيان لاكتور آباد، ووبعيدا عن القرى لفريزيرو
- عن الطبعة: طبعة خاصة لمكتبة الأسرة الهيئة المصرية العامة للكتاب ٢٠١٥.. والرواية فى الطبعة الأولى صادرة عن العربى للنشر والتوزيع.
تعليقات
إرسال تعليق