كتاب في مواجهة المدافع .. رحلة فلسطينية بعيون أديبة

عرض وكتابة: ياسمين الطوخي

     يقول حسن خضر في مقاله (إسرائيل كلمة جائعة) المنشور في موقع مجلة رمان الثقافية: "إذا كان الإسرائيليون قد حققوا أهم انتصار في تاريخهم قبل خمسين عاماً، فإن ما انطوى عليه من تداعيات بعيدة المدى، المنظور منها، والمُحتمل، قد يعيد التذكير بمقولة ذائعة الصيت للروائية البريطانية ماري كروس، المعروفة باسم الشهرة جورج إليوت: "ثمة انتصارات كثيرة أسوأ من هزائم"."... والواقع أن هذه العبارات تعد مدخلاً جيدًا لوصف شعوري بعد الانتهاء من هذا الكتاب الرائع التي تداخل فيه الأسلوب الأدبي لدي أهداف سويف مع التسجيل فأثمر لنا مقالات أدبية تسجيلية رفيعة المستوي تؤرخ لفترة الانتفاضة واحتلال العراق بل وتعيد التنقيب في البدايات الأُول للصراع!

غلاف الكتاب .. مأخوذة من موقع جودريدز
      (في مواجهة المدافع، هنا القاهرة، سيناريو حرب العراق، ذهب العذراء، سجين محب، أدباء فلسطين) هم أكثر المقالات التي شدتني ورأيتُ عبرهم ما يحدث الآن في مخيم عقبة جبر في أريحا وشممتُ رائحة الدم العربي الفلسطيني فيهم. حيث تقول أهداف سويف في هذا الكتاب :"لقد تعلم هذا الشعب دروس عام ١٩٤٨، خبر ما يحدث حين يروع المواطن فيترك أرضه، ولهذا فهم باقون حتي النهاية المُرة."


      والمتأمل في مسار الصراع العربي الإسرائيلي يري أن النهاية المرة هي قيام دولة إسرائيل دولة لليهود دون ذكر لدولة فلسطينية مجاورة أي انعدام الوجود العربي الفلسطيني داخل أرضه او علي الأكثر شحه. فمازال الشعب الفلسطيني هو الضمان الوحيد لسلك مسار عادل رضينا به منذ عقود وهو مسار حل الدولتين إحداها فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، والذي تم الالتفاف عليه من قبل إسرائيل إلي حل دولة واحدة وأعلنت عاصمتها القدس قبل أعوام بدلا من تل أبيب.


        وكتاب في مواجهة المدافع يعيدنا بالذاكرة إلي أواخر التسعينات وبدايات الألفينات حيث الانتفاضة الفلسطينية التي تحكي عنها أهداف سويف في مقالها الأول (في مواجهة المدافع) حيث تصور لنا المعاناة اليومية التي يعيشها المواطن الفلسطيني في بلده المحتل بأسلوب أدبي رصين. فإن أسوأ شئ يعيشه المواطن الفلسطيني هو "أنهم يضطرونك طول الوقت التخمين. لا نعرف أبدا إذا كان الطريق مفتوحًا أو مغلقًا؟ متي راح يطفئون الكهرباء أو يقفلون المية؟ إذا كانوا راح يسمحو بدفنه أم لا؟ إذا كانوا يسمحو بتصرح سفر أم لا؟ لا تستطيعين التخطيط لحياتك أبدا. تظلين تدورين في دائرتهم..." فالمقال يصور الحياة غير العادية التي يعيشها الطفل كذلك فأغانيه عبارة عن" بابا جاب لي هدية، رشاش وبندقية. "

      ولا تعول الكاتبة كثيرًا علي أمريكا او بريطانيا في سلوك أخلاقي تجاه القضية الفلسطينية ومأساة الشعب الفلسطيني يكفرون فيها عن خطاياهم المستمرة بتأسيسهم لدولة إسرائيل ودعمها. كما لا يعول عاقل علي العالم إذا ما رأي جرائم أمريكا في فيتنام والعراق او روسيا في الشيشان وأوكرانيا او بريطانيا في العراق وليبيا وغيرهم من دول القوة العظمي. "فالسياسة الإسرائيلية هي في جعل الحياة جحيمًا لا يطاق حتي يضطر كل فلسطيني له خيار آخر ان يغادر البلاد..." هذه السياسة التي تؤيدها وتدعمها أمريكا علي الإطلاق وتفرد لها الكاتبة في مقالها (أمريكا وإسرائيل والعدوي المتبادلة) لنفهم اكثر عن أسباب هذا الارتباط الوثيق بينهما بل وغض أمريكا عن الجرائم الإسرائيلية في حق أفراد من شعبها. فالمصير واحد الذي جمعهما إذ" تصور الدولتين نفسيها علي أنهما أمتان جرحتا فدُفعتا دفعًا إلي موقف لا رجعة فيه: إسرائيل دفعتها محرقة النازية، والولايات المتحدة دفعتها أحداث ١١ سبتمبر... فيستدعي إعلام الدولتين صورة المقاتل القوي الذي لا يرغب في القتال بل يُدفع إليه دفعًا، فهو يقاتل لأنه لا يجد أمامه خيارًا آخر..." فتستحث كلتا الحكوومتان شعبيهما بالتغلب علي الضعف الذي أصابها سواء إسرائيل وضعف اليهود أثناء الشتات ومآلاته من هلاك. او أمريكا وضعف مواطنيها نتيجة مشاعر الذنب في فيتنام.

     وفي مقال آخر بعنوان (أدباء فلسطين) تستعرض فيه شذرات حوارية مع أدباء فلسطينيين وعلاقتهم مع أدباء إسرائيل وطرائق تعبيرهم عن علاقتهم بدولتهم، ولعل أصدق ما وصف الحالة الأدبية الإسرائيلية هو ما قيل علي لسان مريد البرغوثي: "كلهم فيهم رائحة المؤسسة... مادام الكاتب الإسرائيلي ينتمي إلي السرد الإسرائيلي الحديث (حول تاريخ الدولة) فأي محاولة للتآزر مع الفلسطينيين محاولة ناقصة. لا يمكن أن يتمسك الإسرائيلي بموقفه الأيديولوجي ثم ينضم إلي جمعية الرفق بالفلسطينيين. أصحاب القلوب الرحيمة بالأعداد. نلتقيهم، نتحدث إليهم، ولا يوصل هذا إلي شئ سياسي. يفيد الإسرائيلي شخصيا وضميريا وعالميا، ولا يفيد الفلسطيني بالمرة. "

     وختامًا، فإن كتاب في مواجهة المدافع رغم صغر حجمه فهو لا يتجاوز ٢٠٠ صفحة. فمقالاته تعد خير بداية للمهتمين بالقراءة في القضية الفلسطينية وكيفية إدارة المشهد السياسي العربي والعالمي وتداخلاته. ورغم مسحة الحزن التي تمتزج بكلماته إلا أن المتأمل لمسار الصراع العربي الإسرائيلي سيتفاءل قليلاً عندما يقرأ هذه الأبيات لمحمود درويش من قصيدته (مزامير) ويعيها.1

يا أطفالَ بابلْ

يا مواليد السلاسلْ

ستعودون إلى القدس قريباً

و قريبًا تكبرون.

__________________________

الهوامش:

1يري الدكتور جمال الرفاعي في كتاب أثر الثقافة العبرية فى الشعر الفلسطينى المعاصر (دراسة فى شعر محمود درويش) أن الشاعر يود لو أن بمقدوره العودة إلى فلسطين كما عاد اليهود الذين سبوا فى بابل إلى فلسطين ... حيث أطلق على المنفى الفلسطينى فى القرن العشرين لفظ بابل للإيحاء بأن تجربة المنفى الفلسطينية لا تختلف كثيرًا عن تجربة الشتات اليهودية...

تعليقات

المشاركات الشائعة